عبرة في ذكرى
يصادف يوم العلم يوم 16 ابريل من كل سنة، وهو ذكرى وفاة رائد النهضة الفكرية والإصلاحية والثقافية في بلادنا،الشيخ الامام عبد الحميد بن باديس –رحمه الله- حيث تقام المهرجانات الشعبية والتظاهرات الثقافية والفنية والعلمية عبر مختلف انحاء الوطن احتفاءا به وتخليدا له، واعترافا بدور العلم،وإدراكا لدوره الاساسي في التقدم والازدهار،وتمجيدا للشيخ ابن باديس وللعلماء الذين اناروا الطريق لمسيرة الاجيال نحو الخير والسعادة وكرسوا حياتهم من اجل رفع راية العلم والمعرفة،ونشر الوعي الثقافي والاجتماعي والوطني خدمة للصالح العام.
ففي مثل هذا اليوم من عام 1940م فقدت الجزائر عالما جليلا من علمائها الابرار، ورجلا عظيما من رجالها المؤمنين المخلصين وهو الامام عبد الحميد ابن باديس رحمه الله رائد النهضة الثقافية الاصيلة وحامل مشعل الرشاد ونور العلم والمعرفة،الذي استضاءت به العقول واستقامت بفضله الأفكار وتهذبت النفوس وتزودت بمعينة القوافل المتتالية من ابناء الجزائر الذين هبوا عن بكرة ابيهم لاقتلاع جذور الظلم والطغيان وتحرير الجزائر من اعتى قوة استعمارية عرفها التاريخ فضربوا بذلك اروع الامثلة في التضحية والفداء وحب الوطن خلال سبع سنوات ونصف من الحرب الضروس.
ان هذه الذكرى وغيرها من الذكريات،ينبغي ان تكون فرصة لنا لتقييم اعمالنا ومقارنتها بمحاسن السلف الصالح لنقتدي بهم في سلوكهم وأعمالهم وكفاحهم من اجل المنفعة العامة وخير الانسان والوطن.
ان الجزائر التي انجبت ابن باديس قد جاءت بأمثاله في شتى الميادين والمجالات وما الشيخ الابراهيمي ومبارك الميلي والفضيل الورتلاني والعربي التبسي.....وغيرهم من المصلحين الابطال إلا عينة من تلك القائمة الطويلة التي مهدت الطريق للأجيال لينعموا بنور الحرية والاستقلال.ويبقى ابن باديس رمزا خالدا يتمتع بمكانه خاصة في النفوس والتاريخ لما تمتاز به شخصيته من قوة وعزم وحيوية وثبات على المبادئ حتى النفس الاخير من حياته.
لقد اتسم العصر الذي عاش فيه الشيخ الامام بالاستبداد الذي سلطه الاستعمار على عامة الشعب الجزائري،فقد عمد الى تجهيله وقمع العلماء والعمل على تشويه الدين الاسلامي والقضاء على كل المقومات الاساسية لشخصية الجزائريين في هذا الجو بدا ابن باديس مشواره الاصلاحي مركزا على النقاط الاساسية التالية:
1- الاعتناء بالتربية والتعليم من اجل تكوين جيل كفء قادر على تحمل المسؤولية وبعث النهضة الحقيقية الشاملة في البلاد.
2 - الاعتناء بإصلاح اخلاق المجتمع الجزائري وتنزيه سلوكه من الانحراف والفساد لقوله تعالى :"ان الله لا يغير بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم "
يقول الشاعر احمد شوقي:
انما الامم الاخلاق ما بقيت فان هم ذهبت اخلاقهم ذهبوا
3 - تطهير عقيدة الجزائريين وذلك بتخليصها من البدع والخرافات وكل مظاهرالشرك العلنية منها والخفية،ومحاربة كل من يحاول مسخ الدين وتشويه العقيدة مركزا جهده على تقويض اركان الطرقية وشيوخ الزوايا الذين ساروا في ركاب المستعمر.
4 - النضال المستميت من اجل الحفاظ على الشخصية الوطنية،وتدعيم مقوماتها الاساسية،والتي يلخصها في: الاسلام – العروبة - الوطن الجزائري.
ان مسيرة الشيخ ابن باديس وإخوانه من العلماء في ميادين التربية والتعليم ترسخ في قلوب الاجيال الصاعدة القيم الوطنية والمبادئ الاسلامية الصحيحة التي ستكون السند الرئيسي والركيزة الاساسية في معركة البناء والتشييد،فما احوجنا اليوم ،والحال هذه،الى من يلم صفوفنا بعد ان تشتت،وتجمع كلمتنا بعد ان تفرقت ويوحد افكارنا وتوجهاتنا بعد ان تشردنا الى فرق وأحزاب كل منها بما لديهم فرحون ولن يتأتى لنا ذلك إلا بالرجوع الى ذلك المعين الذي لا ينضب من الافكار والمبادئ والقيم التي كافح من اجلها السلف الصالح من العلماء والمجاهدين والشهداء ولن يصلح حال آخر هذه الامة إلا بما صلح به اولها.
الاستاذ: خريس المختار
16 افريل 2013