الإيمان بالاختلاف و التداوي بالتسامح.
تتشارك البشرية في القيم ، و رؤية المجتمعات لها تختلف ، كما السبل إلى تحقيقها تتشعب ، و تصبح قيما في حد ذاتها ، مثلا الحرية قيمة و السبيل إليها التضحية ، و عليه فكلاهما قيمتان بامتياز .
القيم مع مرور الاعصر ، و تطور المجتمعات تصير حقوقا تجب صيانتها ، و بلوغها واجب اوجب ،و هي مهام ملزمة لأصحابها .
فيما الواجب عمل ،و من ثم سلوك فردي تقتضيه الحاجة الخاصة والمنفعة العامة ، و ما دام كذلك فالنظرة إليه متفاوتة الاختلاف من فرد إلى آخر ، فيبدو لدى البعض أمرا ايجابيا يجازى عليه ، و للبعض الآخر عيبا لابد من تقويمه و تعريض صاحبه إلى النقد .
كما للنقد مفاهيم متعددة ، يمكن حصرها في مهمتين رئيستين : التقييم و التقويم ، لا مجال للتوسع فيهما ، إذن النقد ضروري في الحياة ، لكن من ينقد ؟ و هل هو صاحب عصمة من الخطأ ؟ أو ذو قداسة لا عيب في تصرفه و لا عجمة في لسانه ؟
حتى و هو كذلك فهو ابن المجتمع له ما له و عليه ما عليه مادامت الغاية اجتماعية و المصلحة عمومية ليس على منطق الجمل الذي لا يرى إلا سنام غيره من الجمال و ينسى نفسه .
كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول :"رفع الله امرءا أهدى إلي عيوبي ". قال لسلمان الفارسي : ما الذي بلغك عني مما تكره ، قال بلغني انك جمعت بين ادامين على مائدة ، و إن لك حلتين واحدة بالنهار و أخرى بالليل ، قال : و هل بلغك غير ذلك ، قال : لا، قال: أما هذان فقد كفيتهما .
قد يرى الإنسان القذى في عين الآخر و لا يرى جذعا في عين نفسه ، هذه هي الطبيعة الإنسانية فالمرء لا يرى عيوبه بل يستصغرها و يتطلع إلى عيوب غيره ، و أكثر الخلق جاهلون بعيوب أنفسهم ، فمن أراد أن يعرف عيوب نفسه عليه أن :
- يجالس من له دراية بالنفس البشرية و مطلع على خباياها و قضايا آفاتها و يعرفه طرق علاجها .
- يطلب من صديق و أن يرقبه على نفسه و يلاحظ أحواله و أفعاله عبر أحايين مختلفة .
- يستفيد من معارضيه و ما يقوله أعداؤه عنه ، فان سخط الغير يبدي المساوئ " و لعل سخط عدو أهدى من مدح صديق "
- يخالط الناس ، و يندمج في المجتمع ، إذ كل ما يراه مذموما في الخلق عليه أن يتجنبه " لان المؤمن مرآة المؤمن ".
معاشرة الآخر و الإيمان بالاختلاف و التداوي بالتسامح هي الوصفات المثلى و هذا ليس بعزيز على احد بل قضية سلوك و حسب .