الحمد لله الذي يفتتح بحمده كل رسالة ومقالة، والصلاة على محمد المصطفى، صاحب النبوة والرسالة، وعلى آله وأصحابه الهادين من الضلالة, أما بعد:
فأهمية القرآن في حياة المسلم
1- القرآن هدى للناس:
قال تعالى: ?شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ? (البقرة: من الآية 185)،
الله سبحانه وتعالى يبين فضل وأهمية القرآن الكريم، فهو كتاب الأمة الخالد، الذي أخرجها من الظلمات إلى النور، فأنشأها هذه النشأة، وبدَّلها من خوفها أمنًا، ومكّن لها في الأرض، ووهبها مقوماتها التي صارت بها أمةً ولم تكن من قبل شيئًا.
هذا مدحٌ للقرآن الذي أنزله الله هدًى لقلوب العباد ممن آمن به وصدّقه واتبعه، كما أنه بينات أي: دلائل وحجج بينة واضحة جلية لمَن فهمها وتدبرها، ودالة على ما جاء به من الهدى المنافي للضلال، والرشد المخالف للغي، ومفرق بين الحق والباطل والحلال والحرام، والله عزَّ وجلَّ بهذا التعبير الشامل ?هُدًى لِلنَّاسِ? جعل هذا الكتاب هدى لكلِّ الناس مهما اختلفت مآربهم ومشاربهم، يجد كل واحد منهم بغيته فيه، فهو كتاب الله لكلِّ البشر والله أعلم بما يصلح خلقه، فإذا خصَّ الله تبارك وتعالى الهداية بهذا القرآن للمتقين الذين آمنوا به وعاشوا معه وتدبروا معانيه في قوله تعالى في أول سورة البقرة: ?الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاة وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (3) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالآخرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ (5)? فإن الله عزَّ وجلَّ جعل في هذه الآية ?شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ? (البقرة: من الآية185).
الهداية عامة لكل الناس?هُدًى لِلنَّاسِ? المسلم وغير المسلم، المسلم الطائع والعاصي ما دام أنهم نظروا إليه بعقولهم وأفئدتهم، وتنحوا عن أهوائهم وشهواتهم، فالقرآن الكريم في المقام الأول كتاب هداية لكل البشر.
2- القرآن يهدي للتي هي أقوم:
قال تعالى: ?إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا (9) وَأَنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (10)? (الإسراء).
يمدح الله تبارك وتعالى كتابه العزيز الذي أنزله على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم بأنه يهدي لأقوم الطرق وأوضح المسالك، ويبشر المؤمنين به الذين يعملون الصالحات على مقتضاه أن لهم أجرًا كبيرًا يوم القيامة، وأن الذين لا يؤمنون بالآخرة يبشرهم بأن لهم عذابًا أليمًا، كما قال تعالى: ?فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ? (الجاثية: من الآية
، وكما يقول صاحب الظلال: هذه الهداية على وجه الإطلاق فيمن يهديهم وفيما يهديهم، فيشمل الهدى أقوامًا وأجيالاً بلا حدود من زمان أو مكان، ويشمل ما يهديهم إليه كل منهج وكل طريق، وكل خير يهتدي إليه البشر في كلِّ زمان ومكان، يهدي للتي هي أقوم في عالم الضمير والشعور بالعقيدة الواضحة البسيطة التي لا تعقيد فيها ولا غموض، والتي تطلق الروح من أثقال الوهم والخرافة، وتطلق الطاقات البشرية الصالحة للعمل والبناء، وتربط بين نواميس الكون الطبيعية ونواميس الفطرة البشرية في تناسق واتساق، ويهدي للتي هي أقوم في التنسيق بين ظاهر الإنسان وباطنه، وبين مشاعره وسلوكه، وبين عقيدته وعمله، فإذا هي كلها مشدودة إلى العروة الوثقى التي لا تنفصم، متطلعةً إلى أعلى وهي مستقرة على الأرض، وإذا العمل عبادة متى توجَّه الإنسان به إلى الله، ولو كان هذا العمل متاعًا واستمتاعًا بالحياة، ويهدي للتي هي أقوم في عالم العبادة بالموازنة بين التكاليف والطاقة، فلا تشق التكاليف على النفس حتى تمل وتيأس من الوفاء، ولا تسهل وتترخص حتى تشيع في النفس الرخاوة والاستهتار، ولا تتجاوز القصد والاعتدال وحدود الاحتمال، ويهدي للتي هي أقوم في علاقات الناس بعضهم ببعض أفرادًا وأزواجًا، وحكومات وشعوبًا، ودولاً وأجناسًا، ويقيم هذه العلاقات على الأسس الوطيدة الثابتة التي لا تتأثر بالرأي والهوى، ولا تميل مع المودة والشنآن، ولا تصرفها المصالح والأغراض.
فهذه هي الأُسس التي أقامها العليم الخبير لخلقه، وهو أعلم بمن خلق وأعرف بما يصلح لهم في كلِّ أرض وفي كلِّ جيل، فيهديهم للتي هي أقوم في نظام الحكم ونظام المال ونظام الاجتماع ونظام التعامل الدولي اللائق بعالم الإنسان، ويهدي للتي هي أقوم في تبني الديانات السماوية جميعها، والربط بينها كلها، وتعظيم مقدساتها وصيانة حرماتها، فإذا البشرية كلها في سلام ووئام، إنهما طريقتان مختلفتان شتان شتان هدي القرآن وهدي الإنسان.