السيد ممثل السيد وزير التربية الوطنية،
السادة الضيوف من حقوقيين ونقابيين و أساتذة باحثين،
السادة الزملاء الأساتذة المؤتمرون،
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته واسمحوا لي أن أرحب بكم وأشكركم على تقبل دعوتنا و مشاركتنا في يومنا هذا
نقف اليوم أمام محطة من محطات نقابتنا، و هي محطة ضرورية لتقييم عملنا و لضخ طاقة جديدة في هذه النقابة الفتية التي جاءت بطرق عمل مبنية على الشفافية في التسيير و على تنفيذ قرارات القاعدة وهذه الطرق ليست شعارات جوفاء نرفعها بل هي قواعد عمل ثابتة يتبناها جميعنا.
إن المؤتمرين أغلبهم جاءوا من قاعات التدريس و كثير منهم لم يكونوا في هياكل النقابة كالمكاتب أو المجالس الولائية و هذا ما يعطي قوة و طاقة لنقابتنا هذه القوة و الطاقة نستمدها من البقاء قريبين من قواعدنا بحيث لا نبتعد كثيرا عمن نمثلهم و أستعمل نون الجماعة للدلالة على النقابيين كلهم.
بعد المطالب التي تحققت - أو بالأحرى ما تحقق منها - لأن ما تحقق قد لا يرضي بعضنا أما بعضنا الآخر فقد يرى بعد مدة أنه يجب التحرك من جديد للمطالبة بتحسين ما تحقق إلى اليوم ، ناهيكم عن المطالب التي ما زالت تراوح الحكومة مكانها و لم تحرك ساكنا في سبيل الاستجابة لها و منها على سبيل الذكر لا الحصر ملفات منح الجنوب و السكن و طب العمل و هذه الملفات تقتضي تجنيدا واسعا لأساتذة القطاع لا يمكن لأساتذة التعليم الثانوي وحدهم المطالبة به فهي مطالب تعني قطاعات كثيرة و لن تكون لنا نحن مستخدمي التربية الوطنية الكلمة الفاصلة إلى بالعمل الموحد و المشترك بعيدا عن المزايدات النقابية.
لن تجدوا نقابيا منا راض كل الرضى و إلى الأبد عما حققه فبعد صدور القانون الخاصة و النظام التعويضي طالبنا بمراجعتهما بعد مقارنات قمنا بها مع قوانين أساسية و نظم تعويضية لقطاعات أخرى و الآن لما لا نطالب بتحسينهما ألم يرفض إعطاءنا منحة سميناها منحة الضغط الاجتماعي ؟ لما لا نعمل على توسيع قائمة المنح و العلاوات؟ و النقابي من واجبه أن يبقى يقضا يتابع كل ما من شأنه المساس بالمهنة أو بالوضع المهني و الاجتماعي لمنخرطي نقابته فعليه أن يقيِّم القيمة المالية للنقطة الاستدلالية و يطالب بتحسينها أو الرفع منها بالقدر الكافي حسب ما تقتضيه ضرورات العيش و القدرة الشرائية .
إن المتتبع لعمل نقابتنا قد يحكم عليها ظاهريا أنها نقابة لا تهتم إلا بالأجور و رفعها غير أن نقابتنا و إن كانت قد بدأت بالعمل على تحسين الظروف المعيشية للمربي لأنه كان في حضيض الدركات و تحت أدنى مستويات الفقر و معروف أن الحي هو من يكلف بالواجبات و يحاسب على أدائها أما الأموات فلا واجب عليهم ولا سؤال يسألونه عن تكليف و هم أموات و ربك إن المربي الجزائري كان يحتضر قبل مجيء نقابتنا((CNAPEST.
الآن و قد أحيت الكنابيست من كان في عداد الموتى و ضخت الدم في عروقهم فمن منهم اقتنى سيارة و من منهم بنى بيتا و من منهم و من منهم ..... آن الآن الأوان أن نتساءل لماذا يعطينا المجتمع كل هذا الفضل؟ إذا لم يهتم المربي بالجانب البداغوجي و لم يعمل على تحسين المستوى التعليمي و لم يبحث في أسباب الإخفاق حتى يجنب المدرسة و التلميذ أي فشل و يعمل على رفع مستويات النجاح بالشكل النوعي فما هو دوره في المجتمع ؟
إن المربي يشعر بمسؤولية كبيرة تجاه وطنه و دولته فهو من يكوِّن مواطن الغد الذي توكل له مهمة تعمير و تسيير و تطوير البلاد فإذا لم نستشعر نحن المربون أهمية دورنا و عملنا الرسالي فسنجني على الأجيال و على الأمة و كما قيل الخطأ في الأمور المادية يمكن تصحيحه و تقييمه يكون بالمال أما الخطأ في التربية فلا يمكن تداركه و تقييمه يكون بخسارة أجيال.
إن الدولة تضخ ملايير الدولارات في قطاع التربية و تبني الهياكل و توفر النقل و المأكل و الكتاب للتلاميذ لكن الجميع يشتكي من ضعف مستوى التعليم و أظن وإن كان في المسألة كثير من الذاتية و من صراع الأجيال فالجيل القديم يحكم على الجديد دائما بأنه ضعيف المستوى فأنه يجب القيام بدراسة موضوعية و بداغوجية لتقييم المستوى بمشاركة الجميع و يجب إعادة النظر في طرق التقييم في الامتحانات الرسمية و إيلاء الأهمية للتقييم التربوي البداغوجي و عدم الاعتماد على المقاربة الرقمية و اعتبارها وحدها دالة على الحقيقة المطلقة.
و حتى يتمكن المربي من أداء مهامه بالجودة اللازمة يجب أن يوفرله تكوينا نوعيا حول المناهج و الطرق الحديثة في التدريس التي تبنتها المدرسة الجزائرية و أن يُطْلَعَ على الأسباب التي ادت إلى اعتماد قوانين جديدة و ما هي النقائص التي كانت في القانون القديم ( أمرية 16 أفريل 1976) و تمت معالجتها في القانون الجديد (القانون التوجيهي للتربية 08/04) و ما هي المرامي و الأهداف المتوخاة من الاصلاح حتى يمنح مَعْلَما يعمل في إطاره لتحقيق هذه الأهداف و المرامي كما يجب أن تُوضَع فيه الثقة الكاملة و يُمْنَح سلطة بداغوجية باحترام قرارات مجالس الأقسام و مجالس التعليم والتوجيه و الابتعاد عن الشعبوية في التقييم الدراسي كاعتماد ما اصطلح على تسميته بالعتبة إرضاء للتلاميذ و خوفا من تحركهم و التي تعتمد على التقليل من الدروس و تسهيل الأسئلة و اعتماد سلم تنقيط يمكن أكبرعدد من الممتحنين من الحصول على علامات مرتفعة و هذا من أجل تمكين أعداد هائلة من النجاح حتى و لو بقي عدد كبيرمنهم في السنة الأولى جامعي لعدة سنوات نظرا لضعف مستوى تحصيلهم الدراسي في الثانوي.
لعل أهم قضية ستطرح على مؤتمر نقابتنا هي قضية توسيع النقابة إلى إطارات التدريس في الإبتدائي و المتوسط هذه القضية أسالت الكثير من الحبر و العرق البارد فمن من النقابات من يرى أننا نهدف إلى إضعافه و الدخول في ميدانه و كأنه تم تقسيم أساتذة القطاع إلى ملكيات خاصة فلا يحق لنا أن نعتدي على ملكية الغير و من النقابيين من يرى أنه عمل كبير متعب و مضن ينتظره فهو يريد الخلود إلى الراحة و هناك من منا يخاف من المجهول فهو يرى أن لديه نقابة تتولى الدفاع عن مصالحه و لا يعنيه أن تدافع عن غيره .
إن النقابي الحقيقي يعرف أن وحدة العمال مبدأ أساس في العمل النقابي و غاية يعمل لأجلها طول حياته النقابية و يعرف جيدا مقولة "أُكِلْت يوم أُكل الثور الأبيض " و هذا النقابي لا يمكنه أن يبقى متقوقعا في نقابة و هو يعلم أن مداها لا يمكنه من تحقيق أهداف كبيرة كتطوير المدرسة و تحسين المستوى و المطالبة بحماية القدرة الشرائية و بتحسين أداءات الصناديق الاجتماعية كصندوق الضمان الاجتماعي و صندوق التقاعد وغيرها من المعارك التي تقتضي توسيع عملنا إلى خارج قطاع التربية و ليس التوسيع إلى أساتذة التعليم الابتدائي و المتوسط فقط وهذا النقابي سيضطر للقول لمن تأخر عن هذا الطموح "هذا فراق بيني و بينك إنك لن تستطيع معي صبرا" ، و وجود نقابات عديدة يجب أن تحكمه المنافسة بين هذه النقابات والبقاء يكون للأصلح والأكثر فائدة وعمال القطاع ليسوا قصرا حتى نتحكم كنقابات في مصيرهم فإذا قصرت نقابة في حقوق منخرطيها لجأ هؤلاء إلى اختيار إطار نضالي جديد إما بالانخراط في نقابة أخرى و إما بإنشاء نقابة جديدة "وَ إِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُوا أَمْثَالَكُم" دون أن ننسى أن التنسيق مع النقابات غالبا ما يكون محدودا عند بعض المطالب دون غيرها و لنا تجارب عديدة مع عدة نقابات لعل آخرها كان مع نقابة UNPEF حيث كان للتنسيق الأثر الحميد في النظام التعويضي لكنه ترنح في القانون الخاص و هذا أمر طبيعي، أضف إلى ذلك كثرة النقابات المستنسخة و التي لا عمل لها غير مقارعة نقابتنا و هنا لا يفوتنا أن نوجه الشكر للسلطات على عملها لحماية البيئة حيث وضعت لنا مفرغة نقابية نرمي فيها نفاياتنا.
إن مشروعا كهذا لا يمكن النّظر إليه على أنه جاء إضعافا لنقابة أو أخرى بل جاء لعدة أسباب و منها الطلب الكبير من أساتذة التعليم الابتدائي و المتوسط الذين كثيرا ما عاتبونا على التأخر في تمكينهم من الانخراط المباشر في نقابة CNAPEST ، و منها خلق تنافسية نقابية حقيقية بين النقابات و ليس العمل على إضعاف النقابات المتواجدة في الساحة كما أن التوسيع ينقل النقاش حول المطالب و المشاريع إلى القواعد و من ثم سوف تكون قرارات النقابة أكثر تعبيرا عن المدرسين الذين لا يمكن التفريق بين اهتماماتهم ، و ما أشبه تخوفات بغض النقابات من هذا التوسيع اليوم من تخوفاتهم من نشأة تقابتنا بالأمس حيث اتُّهِمْنا بتقسيم عمال القطاع و بالعمل على إضعاف النقابات و غيرها من التهم لكن بعد سنوات نفس هذه النقابات أصبحت تعترف بقوتنا دون أن تضعف هي و أصبحت تتعامل معنا بكل احترام و تقدير.
و نحن نحيي ذكرى الثورة العظيمة أقول إنني أشعر بنفسي صغيرا جدا وأشعر أن ما نقوم به من نضال هو عمل ضئيل مع ما قام به جيل نوفمبر الذين قدموا المعجزات و هم شباب هل تعلمون أن سي مصطفى بن بو العيد استشهد عن عمر 39 سنة فقط هذا الجبل الضخم كان شابا لما قام بما قام به رفقة ثلة من زملائه و نحن شارفنا على الشيخوخة و لنا أن نسأل ماذا قدمنا لبلدنا و لشعبنا هل قمنا بواجبنا كطبقة يقال عنها أنها مثقفة أو كمكونين للأجيال هل نحن راضين عن دورنا في المجتمع هذه بعض الأسئلة التي يجب أن نطرحها على أنفسنا، فلو قارنا ما حققه جيل الثورة لوجدناه عظيما لقد استطاع أن يجند كل الشعب في سبيل تحقيق فكرة الاستقلال فكان أن منحهم الشعب مليون و نصف مليون شهيد ، و نحن من جندنا و من أقنعنا كمربين من أجل بناء الجزائر؟ بل و حتى من أجل توسيع نقابتنا؟ لقد مَنَحَنا جيلُهُم الجزائرَ محررةً مفتاحا في اليد فعثنا فيها نهبا لأن كل من لا يؤدي واجبه و يتلقى أجرا فهو ناهب و إن لم يكن كذلك فهو لا يبالي بالناهبين بابتعاده عن الشؤون العامة للبلاد ، نتعامل مع الجزائر و كأننا لسنا مواطنيها بل سكان أجانب عنها، مقيمون فيها فقط ، لقد أفرغ جيل الثورة الجزائر بل وشمال إفريقيا كله من تواجد الأوروبيين في الوقت الذي لم تتمكن فيه حركات تحريرية في بلدان إفريقية من إخراج الأوروبيين من أراضيهم على غرار زمبابوي بقيادة روبير موقابي و جنوب إفريقيا بقيادة نيلسون مانديلا فكل الممتلكات بقيت في أيدي الأوروبيين و بقي الوضع الاقتصادي و الاجتماعي للأفارقة في الحضيض الأسفل و لا أعجب إن قامت ثورات جديدة لاسترجاع الأرض و الممتلكات التي يحوزها الأوروبيين في هذه البلدان. إن واجبنا نحن تجاه الجزائر هو العمل على إرساء قواعد الدولة الحديثة و هي دولة المؤسسات و أول مؤسسة هي المواطن الواعي المخلص المحب لبلده والمحترم لقيم شعبه و دورنا نحن المربون هو تنشئة مواطن بهذه المواصفات و المواطن إياه سيتولى بدوره يناء المؤسسات الأخرى عن طريق المشاركة الفعالة في الحياة السياسية للبلاد، لآن التغيير الذي ينشده الكل لن يحدث إلا عن طريق المدرسة أما أن نحلم بالتغيير عن طريق تغيير الأشخاص دون الذهنيات فهذا الحلم سيتحول لا محالة إلى كابوس تفرضه خيبة الأمل.
في الأخير أتوجه إلى زملائي المؤتمرين أن يتنافسوا فيما فيه الخير و لا تنافس في الشر لأن ذلك تنابز لا يأتي إلا بالفرقة و النزاع و أرجو منهم أن يكونوا في مستوى تطلعات النقابة و الابتعاد عن الحديث عن الأشخاص و الوقائع و يرفعوا مستوى نقاشهم إلى المستوى الثالث و هو مناقشة الأفكار و يتوخوا المصلحة العامة للنقابة و الأساتذة و قطاع التربية و البلد و قد يجد بعض حسيني النوايا أنفسهم جنودا في صفوف خصومهم ضد غاياتهم لأن كثيرا من الناس ممن لا فكرة له و لا قدرة له على انتاج الأفكار يعمد إلى استعمال الحيلة دون الذكاء فينقد الفكرة بل و يقدح في أصحابها حتى يظهر للآخرين أنه على درجة كبيرة من الفهم و في مستوى ذكاء ذوي الأفكار"فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث" و هذا أمره مفضوح ، أما من كان يحسب لقول القائلين عنه ألف حساب ويخاف من تأثيرهم نقول ما قاله الله في الآية 137 من سورة البقرة" فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدْ اهْتَدَوْا وَ إِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ وَ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيم".